أول مقال صحفي لي اشارك به في نادي الصحافة في المعهد ، أرجو أن ينال اعجابكم
"تونس المصدر الأول للإرهاب...داعش...سوريا...ذبح...كتيبة عقبة...تفجيرات...اغتيالات...ألغام...طواغيت...كفار "
كل هذه العبارات أصبحت تتصدر الجرائد و وكالات الأنباء التونسية يومياً . هل حقاً تونس ولادة للإرهاب ؟ هل أصبحت تونس الخضراء تصدر السواد ؟ هل نسفت تونس حضارتها بديناميت الارهاب ؟ هل حقاً تونس على شفا حفرة من نار الارهاب ؟
تساؤلات و استفسارات تخلج التونسي يومياً ،ذلك المواطن البسيط الذي كان مجرد همه إعالة الاسرة بدخله المتوسط ، أصبح يفسر و يحلل . حتى التلميذ التونسي أصبح متصلاً بما يدور حوله و صار فريسة للإرهابيين ، إلا من فتح بصيرته نحو نور الحق و أيقن بطلان أهداف الارهابيين من تحرير للشعب و تحقيق شرع الله.
و للحديث أكثر في الموضوع اجريت استجوابات مع شرائح مختلفة من التلاميذ حتى أعرف رأيهم. وجدت التلاميذ مقسمين إلى 3 مجموعات : مجموعة أولى قزمت الموضوع و قالوا أنه لا يعنيهم و أنهم جاؤوا للمعهد للدراسة و ليس لمناقشة الارهاب ، و مجموعة ثانية صارت تتحاشاني حتى لا أفتح معهم الموضوع ظناً منها أن الاجابات قد تمثل خطراً عليها . و مع ردود الفعل هذه راودني الشعور بالفشل و قررت في لحظةٍ ما إلغاء العمل. و لكني لمحت نوراً خافتاً من المجموعة الثالثة سرى في جسدي بسرعة ، همس لي بأن هنالك آذانا ستصغي و عقولا ستفكر . هذه المجموعة هي المجموعة التي ستنتصر حاضرا و مستقبلا . لا بد أنك و أنت تقرأ ستحس بالفخر لانك تنتمي إليها أو ستشعر بالإشمئزاز منها .. ربما. هذه المجموعة أبت أن تصمت و تستكين و تخوض مع الخائضين ، و اختارت أن ترفع صوتها عالياً في وجه الظلام .
وددت في البداية أن أجد تعريفاً مناسباً للإرهاب من وجهة نظر التلميذ فاختلفت العبارات ( قتل للمسلمين ؛ نمط عيشي لا دين و لا ايديولوجيا له ؛ إجرام ؛ تعدي على الحريات ) إذاً كما تلاحظون فالتلاميذ لم يتفقوا على تعريف واحد للظاهرة فلكل منهم زاوية نظر و لكل منهم تفسيره .
كل الآراء اتجهت نحو أنا الارهاب هو التعدي على الآخر مهما كان تفكيره و مهما كان تفكير الإرهابي . فالإرهابي يمكن أن يكون جارك الذي يدنس العمارة ، أو صديقك الذي يستمتع بتعذيب الحيوانات ، أو ربما هو أنت الذي تسكت عن الحق ، فالساكت عن الحق "إرهابي" .
و في سؤالي لهم عن إنتشار الإرهاب في الوسط المدرسي اتفقوا على أن الارهاب منتشر بكثرة و وصل الأمر بأحدهم أن قال بأن 75 % من المؤسسات التربوية تحوي ارهابيين .
إذاً مدرستنا طريقنا نحو الارهاب
تصوروا معي هذه الحادثة : شاب في السنة الأولى من التعليم الثانوي ، معدلاته متردية ، الأساتذة يعاملونه بكثير من القسوة و الشدة ، و وضعه الاجتماعي صعب . هذا بمثابة قنبلة موقوتة تتجول بيننا . إن لم يصبح إرهابي سينحرف و إن لم ينحرف سيصبح إرهابي و في الحالتين هو الضحية . نعم هو ضحية الأسرة و المجتمع و المؤسسة التربوية ، فلا الاسرة متماسكة و قادرة على احتضانه ، و لا المجتمع يسعى لنصحه و ارشاده ، و لا المؤسسة التربوية مضطلعة بمهمة " التربية " بل أصبحت مجرد مؤسسة " سرد معارف ". يتحمل الاطار التربوي المسؤولية الكاملة في تحول التلميذ إلى إرهابي ، لأنه و بكل بساطة السيد الاستاذ لا يريد غير إنهاء حصته و البرنامج "العظيم" الذي وجد نفسه مجبرا على اكماله ، فلا يجد الوقت للحديث مع التلاميذ في الأمور الاجتماعية و الحياة اليومية إلى بعض الأساتذة الذين غلب حسهم التربوي آلة سرد المعرفة لديهم .
الملاحظ من خلال إستجواب التلاميذ أن نسبة الوعي تشهد إرتفاعاً يثلج الصدر . فالتلميذ التونسي هو مواطن قبل أن يكون تلميذ و هو واعي و متابع للشأن الوطني و الدولي. التلميذ التونسي يعشق بلاده و يسعى جاهداً لرفع ريت تونس عالياً لتبقى تونس شامخة في وجه الأعضاء . و التلميذ التونسي أيضاً رصين و متعقل ، هذا ما إستنتجته حين سألت البعض منهم عن ردت فعله إذا تفطن أن صديقه صار يحمل فكر متشدد . ربما الجميع سيتصور أن التلميذ ، ذلك الكائن خفيف العقل ، سيسحب هاتفه من جيبه و يعلم الشرطة عن إكتشافه "مشروع إرهابي" و أنه وجب عليهم اعتقاله . لكن ردود الفعل كانت مغايرة للسيناريوهات التي وضعتموها الآن صوب أعينكم ، 90% من المستجوبين صرحوا بأنهم سيتحاورون مع زميلهم . نعم الشباب التونسي مؤمن أن الحوار هو السبيل الوحيد و الأوحد نحو النهوض . قالوا أنهم سيتحدثون مع "الارهابي الصغير" حتى يبينوا له أنه يتبع منهجاً خاطئاً دينياً و أخلاقياً و أن الرسول صلى الله عليه و سلم نبي الرحمة و الموعظة الحسنة و أن الاسلام يدعو للعفو حتى في أقصى درجات الشعور بالظلم ، إذ أن الشعر بالظلم من قبل الدولة عامل أساسي في تكوين شخصيات الارهابي التونسي ، فهو يرى نفسه مظلوماً و وجب عليه الإنتقام و يصبح بالتدرج مغتاظاً جداً كلما رأى عون أمن في الطريق و يصل به الأمر للصياح بأعلى صوته "موتوا بغيظكم " !! و الحال أن الله تعالى قال في محكم تنزيله " و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين " هذه إذن دعوة صريحة من الله سبحانه و تعالى للعفو . سأذكر حادثة للنبي الكريم صلى الله عليه و سلم ذكرها أحد التلاميذ و قال أنها كانت سبباً في إنقاذ صديقه من مخالب المتشددين ، الحادثة تتمثل في أنه يوم فتح مكة سمع الرسول أبا سفيان يقول " اليوم يوم الملحمة " فقال له على الفور و دون تفكير " اليوم يوم المرحمة " . لا قادة الغرب و لا فرسان الشرق و لا عظماء الروم و لا ملوك بابل قادرين على فعل كهذا . النبي طردوه من مكة و تعذب و عانى و حين حل يوم الانتقام قال لمعذبيه " اذهبوا فأنتم الطلقاء ". نحن بحاجة ماسة لسيرة النبي في التربية الاسلامية ، التلميذ ليس في حاجة لبيان معجزات القرأن ، الشباب ليس ملحد ، الشباب في حاجة لقدوة حقيقية و تأكدوا أنه سيجد في سيرة الرسول ضالته . درسوا التلاميذ سيرة النبي و سيزول الارهاب من معاهدنا ولن تكون له يد في معاهدنا و سيكون لنا في رسول الله اسوة حسنة.
المصيبة لم تحل بعد و التلميذ لازال قادراً على إصلاح اختلاله . فلنتفترض أن تلميذاً عادياً يدرس سيرة المصطفى عليه الصلاة و السلام و مطلع على خصاله العظيمة يتعرض لهجوم فكري متطرف ، سيدافع بشراسة على أفكاره و لن يقتنع بحججهم الزائفة و الباطلة. سيتمسك بقيم الاسلام و لن يغريه تشددهم .
الارهاب ينتشر بصمت أعطى من السرطان ، هو لا يقتل خلايانا بل ينسف كل يوم أحلام شاب تونسي مسكين رأى طريق الجنة مفروش بالدماء فأرتدى الحزام و أدى السلام .
أشرف نصيري ، ثالثة رياضيات